تعتبر الطاقة محفزاً رئيساً للنمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية والأمن القومي، ولطالما كانت من أولويات واضعي السياسات على مدى العقود. ومع احتفال دولة الإمارات بعام الاستدامة واستضافتها مؤتمر الأطراف COP28، تنضمّ بذلك إلى سائر دول العالم التي تسعى إلى دعم التغيير الجذريّ في قطاع الطاقة، حيث اتخذت دولة الإمارات على مدار العقد الماضي خطوات لافتة لتعزيز استدامة إمدادات الطاقة. وبالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة في الطاقة النظيفة والتكنولوجيات الناشئة التي أدت إلى إنشاء أكبر مجمّعات للطاقة الشمسية وتوفيرها بأسعار تعدّ من الأكثر ملاءمة على مستوى العالم، برزت الإمارات كأول دولة عربية تعتمد الطاقة النووية، بحيث أصبح الهدف المتمثل بتوليد 50% من طاقتها من مصادر نظيفة بحلول عام 2050 هدفاً قابلاً للتطبيق.
ورغم أنّ سعة الطاقة النظيفة تنمو بمسار تصاعدي وثابت، يبقى التحدي الأبرز متمثلاً بنقل الطاقة وتوزيعها الموثوق.وعلى عكس إنتاج الطاقة الثابت الذي توفّره المحطات العاملة بالوقود الأحفوري، لا تنتج المصادر المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية الطاقة على مدار الساعة، ويؤدّي هذا التقطّع إلى حدوث تقلّبات. ومع ارتفاع نسب الطاقة النظيفة، يمكن أن تؤدي التقلّبات إلى انقطاع أو حتى إلى تضرّر البنية التحتية للشبكة.
ويتطلّب تفادي هذه التقلبات وإدارتها، بهدف الحفاظ على استقرار الشبكة في هذه المرحلة من التحوّل والتغيير، نهجا تطلّعياً يولي الأولوية للابتكارات التي تطال عناصر الشبكة التي تمنحها مرونتها، بدءاً من توليد الطاقة وتخزينها وصولاً إلى توزيعها ونقلها.
ولتحقيق ذلك، لا بدّ في السنوات المقبلة من استثمار رؤوس الأموال بوتيرة غير مسبوقة، ويُجمع الخبراء على أنّ الحلّ الأمثل يقوم على استخدام أشكال مختلفة من موارد الطاقة المتجددة. ومع استمرار العمل على مشروع محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة تصل إلى 2 غيغاواط، والذي يُتوقّع أن يصبح عند البدء بتشغيله أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم قادر على تزويد نحو 160 ألف منزل في أنحاء دولة الإمارات بالطاقة، يتم النظر الجدّي في استخدام موارد أخرى.وتُعتبر الإمارات أول دولة عربية تطوّر محطة للطاقة النووية، حيث يوفر مشروع محطات براكة بسعة 5.6 غيغاواط طاقةً آمنة وموثوقة على مدار الساعة لدعم التطور السريع للطاقة النظيفة في الدولة.
كذلك، تؤدي الاستثمارات الذكية والآنية دوراً مهماً في مجال تخزين الطاقة الذي يحدّ من الحاجة إلى محطات الإنتاج العاملة بالوقود الأحفوري. ويتم بحث وتطوير تقنيات التخزين التي يمكن أن تستوعب الطبيعة المتغيرة لمصادر الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم، ولكنّ التحدي الحقيقي يتمثّل ببناء أنظمة تخزين طاقة البطاريات على نطاق الشبكة، حيث يمكن شحن هذه الأنظمة بالكهرباء المنتجة من الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية. وتعتزم دولة الإمارات التي تحتضن أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، تطوير أنظمة تخزين طاقة البطاريات هذه على نطاق واسع، ما يوفر احتياطيات تشغيلية وخدمات أخرى، ويسهم في تعزيز قابلية تشغيل النظام واستقرار الشبكة ككلّ.
ويجب أن تتجاوز هذه الجهود حدود الوطن، حيث يتيح التكامل الإقليمي للشبكة مشاركة فائض الطاقة المتجددة، وبالتالي إنشاء سوق طاقة أكبر وأكثر مرونة، وكذلك الحدّ من الاعتماد على توليد الطاقة الاحتياطية باستخدام الوقود الأحفوري. وتعتزم «طاقة» في أبوظبي استثمار 10.9 مليار دولار في توسيع شبكة النقل والتوزيع المحلية تحقيقاً لرؤية الشركة لعام 2030 والرامية إلى رفع حصة توليد الطاقة من المصادر النظيفة إلى أكثر من 30% بحلول عام 2030.
وأكملت شركة أبوظبي للتوزيع كجزء من اعتماد الشبكة الذكية، أتمتة أكثر من 70% من محطاتها الفرعية الأولية، وما يزيد على 10% من محطات التوزيع الفرعية في الإمارة، وتخطّط لرفع هذه النسب في المستقبل القريب.
ويمكن أن يسهم تعزيز موارد الطاقة الموزعة كالألواح الشمسية على الأسطح ومحطات شحن السيارات الكهربائية، في الحدّ من خسائر النقل والتوزيع وخفض الانبعاثات.وعلى الصعيد العالمي، تبرز الحاجة إلى استثمار أكثر من 130 تريليون دولار في الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة بحلول عام 2050 لمواجهة كبرى تداعيات الأزمة المناخية. وفي مقابل التزام قادة العالم بتقليل إنتاج الكربون في دولهم، يتعيّن علينا أيضاً اعتماد نهج استثماري يدعم العناصر التي تعزّز استقرار الشبكات من أجل إرساء أسس قطاع طاقة أكثر كفاءة وموثوقية، وحفاظاً على البيئة، يعمل على تلبية احتياجات الأجيال القادمة.
استلم آخر أخبار "القابضة" (ADQ) مباشرة في بريدك الإلكتروني