- ثلث إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً يصدر من النظم الغذائية العالمية
- الابتكار في المنظومة الغذائية يعاني من فجوة تمويلية تقدر بنحو 15.2 مليار دولار، ويعد هذا التمويل ضرورياً لخفض الانبعاثات وضمان الأمن الغذائي
- التعاون بين الأفراد والقطاعين العام والخاص يكتسب أهمية كبرى لبناء نظام غذائي عالمي آمن ومستدام
تواجه النظم الغذائية العالمية تحديات غير مسبوقة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، أثر التغير المناخي واضطرابات سلاسل التوريد العالمية. وقد أصبح واضحاً أن هذه النظم بشكلها الحالي لم تعد تلبي متطلبات الاستدامة العالمية، إذ يصدر عنها نحو ثلث إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً.
ويترتب على عملية التغيير نحو نموذج أكثر استدامة في أنظمتنا الغذائية تكاليف كبيرة، حيث تشير التقديرات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن الابتكار في المنظومة الغذائية يعاني من فجوة تمويلية تقدر بنحو 15.2 مليار دولار. وهذا الواقع يشكل خطراً حقيقاً يهدد العديد من الدول، خاصة فيما يتعلق بتلبية الطلب المتزايد على الغذاء من أعداد السكان المتنامية.
لا تستطيع الحكومات وحدها أن تحقق الأمن الغذائي، بل يتطلب ذلك توحيد الجهود عبر مشاركة جميع الأطراف المعنية في دعم وتحفيز الاقتصاد. ويؤدي كل من الهيئات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمستهلكين والأفراد دوراً مهماً في معالجة القضايا المعقدة التي تواجه النظم الغذائية الحالية، والعمل على تحقيق مستقبل أكثر استدامة.
يسلط هذا المقال الضوء على دور الأفراد والقطاع الخاص والجهات الحكومية في بناء مستقبل آمن غذائياً.
دور الحكومات في وضع الأسس اللازمة للتغيير
تؤدي الحكومات ومؤسسات القطاع العام دوراً أساسياً في قيادة جهود التعامل مع التحديات التي تواجه نظم إنتاج الغذاء العالمية، لكن لا يمكن تحميلها أعباء هذه التحديات بشكل كامل. وعلى الرغم من أن وضع الأمن الغذائي على رأس الأولويات في الخطط الوطنية يعتبر خطوة مهمة، إلا أن نجاح جهود التغيير يكمن في إحداث عملية تحول شاملة عبر مختلف القطاعات الاقتصادية بهدف التخلص من الممارسات وأنماط الاستهلاك غير المستدامة.
وتختلف الطرق المتبعة في هذا النهج، حيث يمكن للحكومات تحفيز عملية التغيير من خلال دعم الأبحاث والابتكار في المجال الزراعي، أو عبر تشجيع الاستثمارات الموجهة إلى المنشآت المتطورة لإنتاج الأغذية وتخزينها، أو من خلال تطوير أساليب استراتيجية مثل نظم التغذية المخصصة والمعتمدة على البيانات الضخمة.
تشهد بعض الدول تقدماً ملموساً من خلال إطلاق هذه المبادرات، مثل النجاح في إدخال أصناف أرز أكثر قدرة على مقاومة تغير المناخ في بنغلاديش التي تعد ثالث أكبر منتج للأرز عالمياً، وإعلان الحكومة الهندية في عام 2023 عن إطلاق أكبر خطة لتخزين الحبوب في العالم، وجهود حكومة البرازيل لدعم وتسريع وتيرة الابتكار في القطاع الزراعي والتي ساهمت في تعزيز موقعها بين الدول الرئيسية المصدّرة للمنتجات الزراعية.
دور القطاع الخاص في تحفيز الابتكار
يبرز دور مؤسسات وشركات القطاع الخاص في اعتماد الممارسات المبتكرة وجمع التمويل اللازم للمساهمة في تحقيق الطموحات الحكومية، وهذا يعنى عادةً التعامل مع الوضع السائد بطريقة مغايرة ومبتكرة واتخاذ قرارات أكثر جرأة على المدى البعيد.
وتتمثل إحدى التجارب الناجحة في استخدام الروبوتات لحصاد التفاح في تشيلي، إذ بدأت تقنيات الزراعة المتقدمة والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي بالانتشار في هذه الدولة اللاتينية. أما في دولة الإمارات، التي اعتمدت عبر تاريخها على استيراد نسبة كبيرة من احتياجاتها الغذائية بسبب مناخها الصحراوي، تتيح منشآت الزراعة الداخلية المجال لتطبيق المفاهيم والتقنيات المبتكرة، حيث يتزايد الاستهلاك المحلي للفواكه والخضروات التي يتم إنتاجها باستخدام أساليب الزراعة العمودية والمائية.
تؤدي الشراكات بين القطاعين العام والخاص دوراً محورياً في دعم هذه الابتكارات، والتي تتلقى الدعم أيضاً من خلال بعض المبادرات مثل "تحدي تكنولوجيا الغذاء"، وهي مسابقة للأمن الغذائي أطلقتها دولة الإمارات عام 2019 وتقدم من خلالها جوائز مالية وحوافز للشركات الناشئة ومنحاً لأكثر الحلول الزراعية المبتكرة. وتخضع العديد من التقنيات الحاصلة على الدعم لتجربتها في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، مثل اعتماد تقنيات "بلوك تشين" في دعم سلسلة التوريد الزراعية.
دور الأفراد في تطبيق الممارسات المستدامة
الأمن الغذائي هو مسؤولية الجميع في نهاية المطاف. وتشير التقديرات إلى أن ثلث إنتاج الغذاء حول العالم يتعرض للهدر أو الفقد خلال المرحلة الممتدة بين الإنتاج والاستهلاك، أي ما يعادل 1.3 مليار طن سنوياً بقيمة تصل إلى نحو تريليون دولار. وبإمكان المستهلكين الإسهام في الحد من هدر الغذاء يومياً من خلال اتخاذ قرارات واعية، مثل الترشيد في الاستهلاك وشراء السلع المصنعة محلياً والحد من الهدر في المنازل ودعم الممارسات المستدامة وتعزيز انتشارها.
وتدعم الحكومات في العديد من الدول والمنظمات غير الحكومية هذه الجهود. فمثلاً، تهدف المبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء "نعمة" في دولة الإمارات إلى تقليل نسبة الهدر للنصف بحلول عام 2030، كما تسعى من خلال شراكاتها مع أبرز الجهات المحلية إلى نشر الوعي حول ضرورة مساهمة الأفراد في تعزيز الأمن الغذائي على نطاق واسع وتطوير المشاريع التي تدعم هذا الهدف.
لا شك أن العمل على بناء نظم غذائية عالمية أكثر مرونة يتطلب نهجاً شاملاً يتضمن مساهمة جميع الأطراف. وإن تضافر الجهود في مواجهة المسببات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي يساعد الحكومات وجهات القطاع الخاص والأفراد على اتخاذ خطوات ملموسة، تمهيداً لمستقبل ينعم فيه الجميع بالأمن الغذائي.
استلم آخر أخبار "القابضة" (ADQ) مباشرة في بريدك الإلكتروني